الأديان في الإمارات

أكبر الأديان في الإمارات العربية المتحدة، الإسلام، الديانات الأخرى، التركيبة الدينية، التسامح الديني، الأقليات الدينية، الدين والدولة في الإمارات

تُعتبر الإمارات العربية المتحدة من الدول الخليجية التي تتميز بتنوع سكاني وثقافي كبير، يعود أساساً إلى كونها مركزاً اقتصادياً عالمياً يستقطب ملايين الأفراد من مختلف الجنسيات والأديان. وعلى الرغم من أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، فإن المجتمع الإماراتي يضم عدداً كبيراً من أتباع الديانات الأخرى الذين يتمتعون بحرية دينية نسبية ضمن إطار من القوانين التي تحافظ على التوازن بين الهوية الإسلامية للدولة والتعدد الثقافي للمجتمع.

يتناول هذا المقال بشكل مفصل البنية الدينية في الإمارات، من حيث هيمنة الدين الإسلامي، وتوزيع الديانات الأخرى، وأثر التركيبة السكانية على التنوع الديني، والسياسات الحكومية المتعلقة بحرية المعتقد، والعلاقة بين الدين والدولة، بالإضافة إلى التحديات والفرص المرتبطة بهذا التنوع.

الإسلام في الإمارات: الدين الرسمي والهوية الوطنية

يُعد الإسلام الدين الرسمي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو يلعب دوراً محورياً في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية. ينتمي غالبية المواطنين الإماراتيين إلى المذهب المالكي أو الحنبلي ضمن التيار السني، مع وجود أقلية من الشيعة، لا سيما في إمارات مثل دبي والشارقة.

تستند التشريعات في الإمارات إلى الشريعة الإسلامية، خاصة في ما يتعلق بالأحوال الشخصية مثل الزواج، والطلاق، والميراث، والوصايا. كما تُنظم الحياة اليومية والمناسبات الوطنية وفقاً للتقويم الهجري، وتُعتبر المناسبات الإسلامية كعيد الفطر وعيد الأضحى من الأعياد الرسمية في الدولة.

تلعب المساجد دوراً مهماً في النسيج المجتمعي، وتنتشر في جميع أنحاء الدولة، وتُشرف الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف على تنظيم الشؤون الدينية، بما في ذلك إدارة الخطب والوعظ، وترخيص الأئمة والخطباء.

الشيعة في الإمارات: حضور محدود ولكن رسمي

على الرغم من أن الطائفة الشيعية تُشكل أقلية صغيرة في الإمارات، إلا أن الدولة تعترف بها وتوفر لها المساجد والحسينيات الخاصة بها، وتُسمح بإقامة شعائرها ضمن أطر قانونية منظمة. يتمركز الشيعة بشكل رئيسي في دبي، حيث توجد مؤسسات دينية خاصة بهم، وتُمنح لهم حرية التعبير عن معتقداتهم في حدود لا تتعارض مع القوانين العامة.

تخضع الأحوال الشخصية للشيعة لقوانين خاصة تتوافق مع المذهب الجعفري، وهو ما يُظهر انفتاح الدولة على التعددية داخل الإسلام نفسه، كما أن بعض الشيعة يشغلون مناصب في القطاعات الاقتصادية والتجارية، رغم أن وجودهم في المناصب السياسية والإدارية العليا محدود.

المسيحية في الإمارات: أكبر ديانة غير إسلامية

تُعتبر المسيحية أكبر ديانة غير إسلامية في الإمارات، حيث يُقدر عدد أتباعها بنحو 12% إلى 13% من إجمالي السكان، وفقاً لتقديرات غير رسمية، معظمهم من الوافدين القادمين من الفلبين، والهند، وأوروبا، وأمريكا، وإفريقيا. تنتمي الطوائف المسيحية في الإمارات إلى عدة مذاهب، أبرزها الكاثوليكية، والأرثوذكسية، والبروتستانتية.

توجد أكثر من 45 كنيسة معترف بها رسمياً في أنحاء الإمارات، لا سيما في أبوظبي ودبي والشارقة. وتمنح السلطات تراخيص بناء الكنائس وإقامة الشعائر، بل وتخصص أراضٍ لهذه الكنائس في بعض الأحيان، مما يُعد مؤشراً على تسامح الدولة تجاه الأقليات الدينية. كما تُشجع الإمارات الحوار بين الأديان، وتستضيف مؤتمرات وفعاليات مشتركة بين القيادات الإسلامية والمسيحية، مثل زيارة البابا فرنسيس للإمارات عام 2019، والتي كانت أول زيارة بابوية إلى شبه الجزيرة العربية.

الديانات الهندوسية والسيخية والبوذية: التنوع القادم مع العمالة الوافدة

يُشكل الوافدون من جنوب آسيا نسبة كبيرة من سكان الإمارات، ولهذا فإن عدداً من الديانات الشرقية مثل الهندوسية والسيخية والبوذية تُمارس بشكل نشط في الدولة. يعيش في الإمارات حوالي 2.7 مليون هندي، منهم ملايين يعتنقون ديانات غير الإسلام، وبشكل خاص الهندوسية، التي تُعد ثاني أكبر ديانة غير إسلامية بعد المسيحية.

توجد معابد هندوسية بارزة، منها معبد هندوسي كبير في دبي بمنطقة بر دبي، ومعبد جديد تم افتتاحه في أبوظبي في 2023 ليكون أحد أكبر المعابد في منطقة الخليج. كما يوجد معبد سيخي في دبي يُعرف باسم “غوردوارا”، ويُعد مركزاً دينياً واجتماعياً مهماً للجالية السيخية.

أما البوذيون، ومعظمهم من التايلانديين والصينيين، فيمارسون شعائرهم الدينية في مراكز مخصصة لذلك، بعضها غير رسمي. ورغم أن المعابد البوذية لا تزال نادرة، إلا أن السلطات تُظهر مرونة تجاه هذه الطوائف الدينية في إطار احترام حرية المعتقد الفردي.

الديانات الأخرى: اليهودية والبهائية واللادينيون

تشهد الإمارات في السنوات الأخيرة ظهوراً متزايداً لبعض الطوائف الصغيرة الأخرى مثل اليهود والبهائيين، إضافة إلى أعداد من اللادينيين الذين لا يعلنون انتماءهم الديني، لا سيما من الوافدين الغربيين.

اليهود في الإمارات، رغم أن عددهم محدود للغاية، أصبح لهم حضور رسمي منذ توقيع اتفاقيات السلام مع إسرائيل عام 2020، حيث تم افتتاح كنيس يهودي رسمي في أبوظبي ضمن مجمع “بيت العائلة الإبراهيمية” الذي يضم أيضاً كنيسة ومسجداً. يُشكل هذا المجمع رمزية قوية على التعايش بين الأديان في الدولة، ويعكس توجه الدولة نحو تعزيز الحوار والتسامح.

أما البهائيون، فعددهم غير محدد بدقة، لكن بعضهم يمارس معتقداته بشكل غير علني أو في إطار خاص، دون أن تعترف بهم الدولة رسمياً كديانة.

جدول يوضح نسب تقديرية للديانات في الإمارات

التسامح الديني في الإمارات: سياسة رسمية ومجتمعية

تتبنى الإمارات سياسة واضحة في ما يخص التسامح الديني، حيث تم إنشاء وزارة للتسامح عام 2016، تُعنى بتعزيز التعايش بين مختلف الأديان والثقافات، وتُنظم العديد من المبادرات والمناسبات تحت شعار “التسامح والتعايش”. كما تم إعلان عام 2019 عاماً للتسامح، واستُضيفت فيه فعاليات عالمية تعكس هذا التوجه.

ينص الدستور الإماراتي على حرية الدين، بشرط ألا يُخلّ بالنظام العام أو يخالف الآداب العامة. وتسمح القوانين بممارسة الشعائر الدينية في أماكن مخصصة، وتُمنح تراخيص للكنائس والمعابد، لكن يُمنع التبشير الديني العلني أو محاولة تغيير دين مسلم.

هذا الإطار يُسهم في خلق بيئة مستقرة تحترم التعددية دون المساس بالهوية الإسلامية للدولة. كما أن الدولة تفرض عقوبات صارمة على من يسيء إلى الأديان أو يُحرّض على الكراهية، مما يخلق حالة من السلم المجتمعي.

العلاقة بين الدين والدولة: نموذج إماراتي مميز

على الرغم من أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وأن الشريعة تُعد أحد مصادر التشريع، إلا أن النظام الإماراتي يُظهر مرونة في التعامل مع الديانات الأخرى، ويُسهم في بناء نموذج فريد في المنطقة، يُوازن بين الخصوصية الثقافية والانفتاح على العالم.

لا توجد سلطة دينية تهيمن على القرارات السياسية، ويُدار الشأن الديني بشكل إداري من قبل الهيئات الحكومية المختصة. كما أن الدولة تشجع على الحوار الديني والتعايش، دون أن تتنازل عن المبادئ الأساسية للهوية الإسلامية.

الخلاصة

الإمارات العربية المتحدة تُعد نموذجاً مميزاً في المنطقة من حيث التنوع الديني والتسامح. فبينما يُشكّل الإسلام القاعدة الدينية والسياسية للدولة، تُوفّر الإمارات مساحة كبيرة لممارسة الشعائر الدينية الأخرى، ضمن إطار قانوني يضمن التعايش ويحافظ على السلم المجتمعي. هذا التوازن بين الدين والدولة، والتعايش بين مختلف الأديان، يُشكل أحد عناصر القوة الناعمة للدولة، ويعزز من موقعها كمركز حضاري عالمي.

المراجع:

1. الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف (Awqaf.gov.ae)

2. تقرير الحريات الدينية الدولية – وزارة الخارجية الأمريكية (International Religious Freedom Report)